المبيدات والإنسان والبيئة:
عندما أكتشف الإنسان المبيدات الكيميائية واحداً بعد الآخر، كانت اكتشافاته وليدة الحاجة، فالحاجة كما يقال أم الاختراع، وكان الأمل أن تكون هذه المبيدات حلاً لمشكلة قضَّتْ مَضْجَعَهُ وهي مشكلة الآفات على اختلافها واختلاف عوائلها، ولم يخطر بباله آنذاك أن هذا الحل المدهش في نتائجه الأولية سيصبح يوماً ما مشكلة قائمة تحتاج إلى حل.
ولا ريب أن اكتشاف المبيدات واستخدامها فيما بعد قد كان أمراً لازماً لمواجهة خطر الآفات التي ظهرت واشتدت أضرارها عبر السنين على الزراعات الكثيفة وسرعة وسائل النقل وكثرة التبادلات التجارية وما يرافقها من انتقال لهذه الآفات إلى بيئات جديدة، وكذلك نتيجة للتوسع الهائل في المساحات المزروعة، ولتعاقب زراعة المحاصيل ذاتها في أرض محددة، بل تعدت أضرار الآفات غذاء الإنسان وحاجياته ومواشيه لتصل إلى ذاته ، نظراً لتسببها في نقل الأوبئة والأمراض الخطيرة.
وقد أمكن باستخدام المبيدات الكيمائية تحقيق نتائج باهرة في إيقاف كثير من الأمراض، من خلال القضاء على مسبباتها ووقف انسيابها أو انتشارها في أماكن كثيرة من العالم مثل التيفوس و الملاريا والجرب وغيرها كثير.
ولم يكن الواقع بحجم الآمال المعقودة والتطلعات المنشودة من المبيدات عند بدء استخدامها، فقضائها على الآفات لم يكن مبرماً، وأثبتت التجارب أنه لن يكون، فالكائنات الحية المتعايشة في البيئة – والآفات منها- تبحث عن الوجود واستمرار الحياة، ولكل منها طريقته وأسلوبه. وقد كانت لهذه الآفات طريقتها الخاصة، فظهرت منها سلالات مقاومة للمبيدات، فكان ذلك هو ردها الحيوي على السلاح المدمر الذي استخدمه الإنسان ضدها وهو المبيدات الكيميائية الأمر الذي هيأ لها الاستمرار والبقاء بإذن الله، وفرض استمرار الصراع بينها وبين الإنسان على استمرار الحياة، وهكذا بدأ الإنسان يبحث عن مبيدات جديدة أكثر تخصصاً، و بدأ ينوع في أساليب المواجهة ضد هذا العدو الخطير الذي يهدد سلامته وأمنه الغذائي.
وما برح استخدامه للمبيدات الزراعية يحتل مرتبة الصدارة بين أسلحة المواجهة، وأخذ يستخدمها بكثرة دون التنبه إلى الأخطار المحدقة بسلامة البيئة التي تحيط به جراء هذا الاستخدام المكثف وما يرافقه من أخطار فادحة في أساليب استخدام المبيدات وتداولها، وهذه الأخطار التي تناقلها البعض عن الآخر نتيجة الجهل المطبق وعدم التقيد بالتعليمات والمحظورات الخاصة بكل مبيد، وغياب الإشراف الدقيق من قبل الجهات الرقابية في العديد من دول العالم على تصنيع وتعبئة واستيراد و تسجيل واستعمال المبيدات على اختلافها وبقي الاستخدام الأمثل لهذه المواد الخطرة مجرد كلماتٍ مقروءةٍ أو مسموعةٍ لم تجد طريقها إلى التنفيذ إلا نادراً.
ومن الأهمية بمكان أن نعلم جميعاً أنه لا يوجد مبيد يخلو نهائياً من الخطورة على الإنسان والبيئة، بل إن الخطر عامل مشترك بين مختلف أنواع المبيدات مهما تنوعت مجموعاتها الكيميائية، أو اختلفت صفاتها الفيزيائية، أو تباينت أسماؤها التجارية وأسماؤها الشائعة، أو تعددت مجالات استعمالها، إلا أن درجة الخطورة تبقى أمراً نسبياً، تشتد في بعضها وتخف في بعضها الآخر ولكنها لا تنعدم بأي حال.
ليست هناك تعليقات: